"محاولة عيش" لمحمد زفزاف
ولد الشاعر والقاص والروائي المغربي الكبير محمد زفزاف عام 1942م في مدينة الغرب في المغرب. كاتب له خصوصيته التي ميّزت أعماله، نشر أولى محاولاته الشعرية في الستينيات. من أبرز أعماله الروائية: "المرأة والوردة" و"بيضة الديك" و"الثعلب الذي يظهر ويختفي". ونشر عدة مجموعات قصصية من أبرزها "حوار ليل متأخر" و"بائعة الورد". كتب عن المجتمع المغربي وانتقده في أغلب أعماله التي تكاد تكون سيرا ذاتية مموهة، ترجم جل أعماله إلى عدة لغات عالمية، امتازت كتاباته بحوار ممتع مكثف ولغة سهلة وراقية. لأعماله قيمة معرفية وفكرية واجتماعية لا حدود لها، ترك مهنة التدريس وتفرغ للكتابة، عاش فقيراً ومات فقيراً مريضاً عام 2001م.
يتحدث في روايته "محاولة عيش" عن معاناة الطبقة المسحوقة في المغرب، أولئك الذين يسكنون في "البراريك" أو بيوت الصفيح قرب الميناء، منطقة تعج بالغربيين الذين أفسدوا أهلها، والفقر أفسد أهلها كذلك، منطقة بغاء وحشيش وخمور.
يسرد زفزاف في "محاولة عيش" قصة حميد الذي أجبر بسنواته الست عشرة وبسبب فقره وكسل والده وتسلط أمه على العمل بائعا للصحف. يسرد معاناته اليومية بدءا من الشتائم التي يتلقاها من صاحب شركة التوزيع، مروراً بشتائم حراس الميناء، حراس السفن الغربية الراسية على الشاطئ، والتي يحاول الصعود إليها لبيع الصحف للأجانب طمعاً في عملة صعبة أو علبة سجائر مستوردة. ولا تنتهي الشتائم والشكوك والظنون السيئة، بل تحاصره في كل مكان، يجد الملاذ أحياناً عند اليهودية صاحبة المطعم الفخم الذي تسمح له بأكل بقايا الطعام.
يتحدث عن طقوس أكل كيلو جرام واحد من اللحم في تلك الأحياء القذرة الفقيرة، طقوس تبدأ من تكرار كلمة "لحم" لإغاظة الجيران، ثم شيء يشبه الاحتفال في تلك "البراريك" ثم إهداء قطعة صغيرة من اللحم لإحدى الجارات تعبيراً عن الحب، ليعرف الجميع أن لحماً أكل هنا.
حميد قاوم الفقر والحياة بالعمل، حاول ألا يسكر، حاول ألا ينجر خلف بغي، لكن في النهاية كان ضغط الفقر والمجتمع وتأثير المنطقة أكبر من كل محاولاته التي فشلت وأصبح كأي منهم، بلا ميزة إلا أنه يعمل بجد أكثر مما حرض والدته على تزويجه. تزويجه لأنه يكسب دراهم معدودات يومياً وأصبح يملك "بركة" في الفناء وصار رجلاً بعد بلوغه الثامنة عشرة، ليتزوج وفق المراسم الشعبية المعتادة، ليتحول الاحتفال في النهاية إلى معركة بعد أن يكتشف حميد أن زوجته العرجاء لم تكن عذراء. "محاولة عيش" هي تجسيد محاولة لعيش .. محاولة تريد أن تنجح مهما كانت الظروف المحيطة وضغوط الحياة.
الرواية تقع في 111 صفحة، الطبعة الأولى عام 2004م من إصدار منشورات الجمل في ألمانيا.